التجربة غير الاحتكاكية: ما قلّ ودلّ
في عالم تشكّلَ نتيجة التحول الرقمي، يزداد عدد المستهلكين الذين يتوقون إلى تجارب تمثل امتدادًا طبيعيًا لوضعهم المعتاد الجديد، حيث بات يمكنهم عبر الإنترنت أن يدفعوا فواتيرهم، ويتسوّقوا لشراء البقالة والمقاضي، وأن يديروا أعمالهم بالكامل عبر الشبكة. هذا التوسع في الخدمات المقدّمة عبر الإنترنت عزّز وجود تجربة يفضّل من خلالها المستهلكون أقلّ قدر من التواصل المباشر مع الوسطاء، سواء كانوا من موظّفي البنوك أو العاملين في المقاهي، لأنّهم يبحثون عن تجربة الانتهاء من التعاملات بنقرة واحدة. تشير دراسة "العودة إلى الأعمال" (Back To Business) التي نشرتها شركة "فيزا" في عام 2022، إلى أنّ أقلّ من نصف المستهلكين (41%) صرّحوا بأنّهم يخطّطون للتحوّل إلى استخدام المدفوعات الرقمية حصرًا خلال العامين المقبلين، أو بأنّهم لا يتعاملون بالمال النقدي. وهذا يعني أنّ التحوّل إلى اقتصاد لا تلامسي وُجد ليبقى، وأنّ الشركات بحاجة إلى مواكبة ذلك.
من الواضح أنّ الأجهزة المحمولة ستبقى أكثر الأجهزة استخدامًا لتقديم واجهة الاستخدام التي تسمح للزوار بالوصول إلى خدمات الأغذية والمشروبات، والتواصل مع مزودي الخدمة، وإدارة حسابات برامج الولاء، والقيام بإجراءات الدفع، بالإضافة إلى غيرها من التعاملات الأخرى. وتماشياً مع تجربة الزائر غير المباشرة، ستبحث المطاعم عن علامات تجارية تقدّم خيارات الدفع بجانب الطاولة ورموز الاستجابة السريعة (QR) المخصّصة للدفع، بما يسمح للعملاء بأن يطلبوا الطعام ثم يدفعوا ثمنه وهو جالسون على مقاعدهم المريحة. ويُحتمل كذلك أن نشهد شركات أخرى تركّز أكثر على الأوامر الصوتية (على غرار "أليكسا" و"سيري") للتفاعل مع التكنولوجيا وطلب الخدمات وإجراء المعاملات التجارية.
سيشهد القطاع أيضًا المزيد من خيارات التوصيل التي تقدّمها المطاعم بنفسها، حيث بدأ المستهلكون يفضّلون أن يطلبوا مباشرة من المطعم بدلاً من المرور عبر طرف ثالث، من أجل الحدّ من الأخطاء وتقليل رسوم التوصيل وضمان جودة الطعام.
بالإضافة إلى ذلك، ستشهد خدمات طلب الطعام وإحضاره من المطعم أو خلال الجلوس في السيارة زيادةً في الاستخدام، مثلها مثل تطبيقات "تخطّي طوابير الانتظار" (skip the line) التي تتنافس مع النموذج الحالي للتوصيل عبر الإنترنت. يمكن للعملاء عند استخدام تطبيقات تخطّي طوابير الانتظار، أن يطلبوا مسبقًا، ويدفعوا مقدّمًا، وحتى أن يتجاوزوا العملاء الآخرين عند استلام طلباتهم، وكلّ ذلك مع بضع النقرات على هواتفهم. ويمكنهم كذلك أن يتلقّوا عروضات خاصة أو يكسبوا نقاط المكافآت، وفي الحدّ الأدنى يمكنهم البحث عن قوائم المطاعم ومواقعها الجغرافية.
الاستقلالية
الاستقلالية (autonomy) تُعدّ أمرًا بالغ الأهمية من أجل توفير المزيد من التجارب غير الاحتكاكية كتلك المذكورة آنفًا. يمكن للعملاء أن يتحكّموا بتجربتهم من خلال المنصات المصمّمة لتوفير خدمة ذاتية أكثر راحة، وقد أدّت هذه الطريقة الجديدة في التعامل مع حضور المستهلك إلى زيادة أكشاك الطلب الذاتي وزيادة عمليات الطلب بجانب الطاولات، حيث يتفاعل العملاء مع واجهات سهلة الاستخدام من أجل استكشاف الخيارات في قائمة الطعام، وإجراء الطلبات، ودفع المال، من دون الحاجة إلى وسيط.
تتمثّل إحدى المزايا الكثيرة لاستخدام أكشاك الخدمة الذاتية، لا سيما في مطاعم الخدمة السريعة (QSRs)، في تعزيز الربحية، وزيادة حجم سلة العملاء بنسبة بين 40 و50% كمعدّل وسطي. ويعود ذلك إلى محفزّات البيع التلقائي عبر الأكشاك، بالإضافة إلى التجربة الأكثر سلاسة بفضل تقليل الاحتكاك الاجتماعي. تسمح هذه المنصّات التي تساهم في تمكين العملاء لأصحاب المطاعم ببناء علاقات أقوى مع ضيوفهم من خلال اقتراح الطلبات الذكية والمخصّصة، ممّا يؤدي إلى زيادة متوسط حجم سلة الشراء.
الراحة هي الأساس
ليست الراحة كلمة نتغنّى بها وحسب، بل إنّ الراحة هي أكثر ما يُطلَب خلال "تجربة العملاء" التّي تمثل مزيجًا من كل ما سبق. تشير الدراسات إلى أنّ 68% من العملاء يتفقون على أنّ تجربة العملاء المريحة وحدها سوف تدفعهم إلى العودة مجدداً إلى العلامة التجارية أو الشركة.
العامل الآخر الذي يلعب دورًا رئيسًيا في جذب العملاء هو التخصيص بحسب احتياجات كلّ شخص (personalization). وينبغي لمالكي المطاعم الاستفادة من التقنيات التي تحرّكها المشاعر لتخصيص تجربة العملاء من خلال تقديم توصيات استباقية، والترويج لبعض المنتجات، والشعور بالحالة العاطفية للعملاء.
لا يقتصر تخصيص الخدمة على تجربة طلب الطعام وحدها، بل يشمل أيضًا كلّ نقطّة اتّصال للعلامة التجارية. وقد أدّى ذلك إلى الانتقال من منهجية الرسائل الجماعية والرسائل النصية إلى قاعدة بيانات العملاء بأكملها، إلى نهج أكثر دقة واستهدافًا يأخذ في الاعتبار أهمية السياقة، وفئات العملاء، وتحسين قنوات الاتصالات الرقمية مثل الإشعارات التي تصل عبر تطبيقات المطاعم.
بالإضافة إلى ذلك، أدّت الحاجة إلى تجارب أكثر تخصيصًا إلى زيادة برامج الولاء الرقمي التي تسمح لأصحاب المطاعم بتخصيص العروضات بناءً على تفضيلات العملاء، كما وتوفير حوافز يمكنها تعزيز وتيرة الزيارات وحجم الفاتورة بفضل استمتاع العملاء باكتساب المكافآت تلقائيًا.
وسائل التواصل الاجتماعي والطعام
مع ازدياد أهمّية جهود التخصيص، ظهر نوع جديد من التجارة الإلكترونية يمكن تلخيصه بـ"طلب الطعام على وسائل التواصل الاجتماعي"، ويتوقّع أن يبلغ حجم هذا القطاع نحو 604.5 مليارات دولار بحلول عام 2027. وهذا يعني أنّ أصحاب الأعمال سينشئون متاجر عبر الإنترنت من خلال منصات التواصل الاجتماعي الخاصّة بهم لتمكين العملاء من الطلب مباشرة عبر تلك المنصات.
أصبحت هذه المتاجر الإلكترونية المكان الذي "يجمع الطعام بالأصدقاء"، وهي تقدم فرصة ذهبية للعلامات التجارية كي تعرف المزيد عن تفضيلات جمهورها وسلوكهم عند الشراء؛ ولهذا السبب أيضًا زاد التركيز على تكييف التقنيات التي تحمي بيانات العملاء.
على الرغم من انتشار البيع على وسائل التواصل الاجتماعي منذ سنوات، غير أنّ ما يحظى به من جاذبية حاليًا يعود إلى التوسّع الذي حقّقته منصات التواصل من خلال دمج حلول الدّفع على مواقعها مباشرة لتوفير تجربة شراء أكثر سلاسة تتطلّب خطوات أقلّ للوصول إلى المرحلة النهائية من الشراء عبر الإنترنت.
خاتمة
يمكن القول إنّ تزويد المطاعم بأحدث التقنيات يساعد في زيادة تجارب العملاء غير الاحتكاكية، والمستقلّة، والمريحة. وقد ثبت كذلك أنّه يخفّف مسبقًا من عبء العمل الذي يتحمّله موظفو المطاعم والعاملون في الخطوط الأمامية، من خلال المساعدة في خلال مناوبات العمل التي تعاني فيها المطاعم من نقص الموظفين وإلحاح العملاء، بالتوازي مع تحسين الربحية الناجمة عن رحلات العملاء الرقمية. لكي تكون قادرًا على مواكبة السوق المتنامي والمبتكر، يجب أن ترفِق تجربة العملاء الرقمية المستقبلية بتقنيات أكثر قوة في المطاعم. في النهاية، ستكون أتمتة إدارة منصّات الطلب والدفع بمثابة "نجاح أو فشل" خدمات الطعام والضيافة