تمتاز برامج دعم ريادة الأعمال في مختلف أنحاء العالم بمواكبتها للتغيرات العالمية وتمر بتطورات لتلبية متطلبات رواد الأعمال. فعلى سبيل المثال، تطورت برامج دعم ريادة الأعمال من برامج طويلة المدى توفر مساحات العمل المشتركة والخدمات العامة للشركات الناشئة (حاضنات أعمال) إلى برامج مكثَّفة وقصيرة المدى (مسرعات أعمال) لتواكب تغيُّر احتياجات رواد الأعمال والحاجة السريعة لنمو الشركات وجمع الاستثمارات.
تواكب المملكة العربية السعودية هذه التطورات في بيئة ريادة الأعمال من أجل توفير فرص فريدة لرواد الأعمال. كما يقود تلك التطورات عدد من العوامل التي تساهم في تحقيق رؤية المملكة 2030، ومن بينها التقدم التقني والنمو السكاني. تهدف رؤية المملكة 2030 إلى تعزيز التنوع الاقتصادي وإيجاد فرص العمل عبر زيادة مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي الإجمالي إلى 35%، وتُعتبر ريادة الأعمال جزءًا أساسيًا من هذه الرؤية الاستراتيجية.
أدى التقدم التقني وتبني التقنيات الحديثة إلى ظهور قطاعات جديدة، مثل التقنيات المالية والتجارة الإلكترونية، والتي توفر فرصًا جديدة لرواد الأعمال. بالإضافة إلى ذلك، أدى النمو السكاني وانفتاح المملكة على العالم والارتفاع النسبي لمتوسط دخل الفرد إلى زيادة قاعدة المستهلكين، مما خلق طلبًا على المنتجات والخدمات. وبذلك تستمر برامج دعم ريادة الأعمال في التكيف باستمرار لتلبية احتياجات رواد الأعمال الطموحين.
شهدنا في السنوات الأخيرة ظهور عدد من التوجهات الجديدة في مجال دعم ريادة الأعمال، مثل ظهور أستوديوهات الشركات الناشئة وبرامج ريادة الأعمال الافتراضية وزيادة عدد مسرعات الأعمال وغيرها الكثير. وسيناقش هذا المقال بعض التوجهات والفرص الرئيسية في بيئة ريادة الأعمال السعودية.
أستوديوهات الشركات الناشئة هي نموذج جديد نسبيًا لبدء الأعمال التجارية في المملكة العربية السعودية، لكنها سرعان ما أصبحت جزءًا مهمًا من مشهد ريادة الأعمال في المملكة. فهي شركات تقنية متخصصة في إنشاء وإطلاق شركات ناشئة جديدة، إذ تضم فريقًا من الخبراء لتقديم الدعم في جميع جوانب بدء الأعمال التجارية، بما في ذلك تطوير المنتج، والتسويق، والمبيعات، والتمويل. ومن أبرز أستوديوهات الشركات الناشئة في المملكة بي اي ايم وسايبر مي.
مسرعات الأعمال هي برامج قصيرة المدى ومكثفة مصممةً لتزويد رواد الأعمال بالموارد التي يحتاجونها لبدء أعمالهم وتنميتها. وتحظى مسرعات الأعمال بشعبية كونها توفر لرواد الأعمال فرصة فريدة للحصول على الإرشاد من رواد الأعمال والمستثمرين ذوي الخبرة، فضلاً عن تسهيل وصولهم إلى المستثمرين الملائكيين وشركات رأس المال الجريء والموارد الأخرى. وتشهد المملكة زيادة ملحوظة في عدد مسرعات الأعمال، منها ما يستهدف قطاعات محددة كمسرعة التقنيات المالية ومنها ما هو عام كمسرعة مسك.
تدرك الحكومات في جميع أنحاء العالم أهمية ريادة الأعمال للنمو الاقتصادي، وتدعم رواد الأعمال من خلال مجموعة متنوعة من البرامج والمبادرات. ويمكن أن يشمل هذا الدعم العديد من المزايا مثل المنح والقروض وتسهيلات الأعمال. تواصل حكومة المملكة دعم رواد الأعمال من خلال الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة (منشآت)، ووزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، والعديد من الجهات الحكومية الأخرى في مختلف القطاعات بتقديم برامج بمزايا مختلفة قد تكون على شكل قروض أو منح مالية أو مكاتب مشتركة.
تزيد المنصات الإلكترونية من جدوى الحصول على الدعم الذي يحتاجه رواد الأعمال، بدءًا من تطوير نماذج العمل والمشورة المالية إلى الإرشاد وفرص التواصل. وتوفر هذه البرامج قيمة كبيرة في الوصول إلى نطاق أوسع من الجماهير في المناطق المختلفة وتوفير المرونة لجميع فئات المجتمع. وتقدم مؤسسة محمد بن سلمان (مسك) برنامجين افتراضيين وهما برنامج سبارك وبرنامج مسك الانطلاق لدعم رواد الأعمال الطموحين في بدء مشاريعهم الريادية وبناء منتجاتهم وخدماتهم وإطلاقها في السوق.
الوعي والتركيز على الأثر الاجتماعي في المملكة في تزايد مستمر، إذ يتطلع الكثير من الشباب إلى إنشاء أعمال ذات أثر إيجابي في مجتمعاتهم. وتستجيب المؤسسات لهذا الاتجاه من خلال توفير الموارد والدعم لأصحاب المشاريع الاجتماعية مما يساهم في إيجاد بيئة ريادية أكثر استدامة في المملكة العربية السعودية. تقود مؤسسة مسك حراك دعم وتطوير المنظمات غير الربحية من خلال حاضنة مسك للمبادرات ومسرعة الأثر لتحويل المبادرات الشبابية الاجتماعية إلى منظمات غير ربحية وتسريع نموها، بينما تقود "منشآت" ومؤسسة الملك خالد دعم الأعمال التجارية ذات الأثر الاجتماعي عن طريق مسرعات الأعمال الاجتماعية والتمويل وغيرها من الخدمات.
التمويل الجماعي هو طريقة لجمع الأموال من مجموعة كبيرة من الأشخاص (الداعمين) لمشروع أو شركة أو منظمة. ومع ما تشهده المملكة من زيادة الاستثمار الجريء وإطلاق بنك المنشآت الصغيرة والمتوسطة، فقد ظهر مؤخراً العديد من منصات التمويل الجماعي عبر الإنترنت، والتي تسهل على رواد الأعمال التواصل مع مجموعة واسعة من الداعمين المحتملين. وقد تم ترخيص العديد من منصات التمويل الجماعي التي توفر حلولاً تمويلية بالدين أو بالمشاركة في رأس المال كمنصة منافع وسكويبر وصكوك.
توفر التقنيات الناشئة طريقة مبتكرة لتقديم الدعم لرواد الأعمال. فعلى سبيل المثال لا الحصر، يُستخدم الواقع الافتراضي والواقع المعزز لتوفير تجارب تعليمية تفاعلية. كما يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتقديم المشورة والدعم المخصصين لرواد الأعمال. ولا يزال استخدام التقنيات الناشئة لدعم ريادة الأعمال في مراحله الأولى مع إمكانية إحداث ثورة في الطريقة التي يحصل بها رواد الأعمال على المساعدة التي يحتاجون إليها.
تشهد المملكة العربية السعودية نموًا سريعًا في قطاع ريادة الأعمال، ويرجع ذلك إلى عدد من العوامل ومن أهمها أن ما يزيد على نصف السكان هم من فئة الشباب البارعين في استخدام التقنية، إضافة إلى الالتزام الحكومي بدعم ريادة الأعمال، ووجود قطاع تقني متنامٍ. ومع تطور الدعم المتاح، توفر هذه العوامل مجموعة متنوعة من الفرص لرواد الأعمال.
وكل ما سبق ذكره ليس سوى بعض الأمثلة على أحدث التوجهات في برامج ريادة الأعمال في المملكة العربية السعودية. يوفر هذا الدعم إلهاماً لرواد الأعمال في المملكة وفرصة أكبر للنجاح، ويساعد في تحويل المملكة إلى مركز رائد لريادة الأعمال في الشرق الأوسط.