تتطلّع المملكة العربية السعودية للانتقال إلى اقتصاد قائم على المعرفة. وبالتزامن مع الإعلان الأخير عن الاستراتيجية الوطنية للصناعة، تسعى المملكة إلى سدّ هذه الفجوة التكنولوجية باستخدام تقنيات التصنيع المتقدّمة التي من شأنها أن تساهم في تحقيق هذه الخطوة. وتعتزم المملكة التركيز على 118 مجموعة من السلع الصناعية التي تم اختيارها وفقًا لأسسها الاستراتيجية من بين القطاعات الصناعية الفرعية الأهم، حيث تمتلك المملكة فرصًا للتنافس على المستويين الإقليمي والعالمي. من أجل تحقيق هذا الهدف الطموح للارتقاء بالصناعة في المملكة، أوصت استراتيجية الصناعة الوطنية بـ12 قطاعًا فرعيًا استراتيجيًا:
يمكن أن ينتهج تنفيذ الاستراتيجية أحد الطرق الثلاثة: استراتيجي، أو نابع من الناس (grassroot)، أو هجين يجمع بين كلتا الطريقتين. يركّز النهج الاستراتيجي على القرارات التي تتخذها القيادة على المستوى الأعلى والتي تتدفق إلى أسفل الهرم القيادي. من ناحية أخرى، يمنح النهج النابع من الناس جميع أصحاب المصلحة صوتًا في عملية صنع القرار، وبخاصة أولئك الذين يكونون أقرب إلى السوق. لكلّ استراتيجية من الاستراتيجيتين إيجابياتها وسلبياتها، ولذلك فإنّ الحلّ الهجين المطبّق بصورة جيدة يوفّر نظامًا يُصحَّح نفسه ذاتيًا بحسب المشاكل التي تنشأ. ثمّ تتغيّر فعالية تنفيذ الاستراتيجية حسب الحاجة، وسط هذه الحلقة المستمرّة.
انطلق الجهد الاستراتيجي لحكومة المملكة العربية السعودية مع الإعلان عن الاستراتيجية الوطنية للصناعة، وأصبحت مسؤولية الهيئات التنفيذية أن تساهم بجهودها في المنظومة الصناعية من خلال التعاون مع القطاع الخاص لدعم رحلة التنمية الصناعية وتحقيق الأهداف الشاملة لرؤية المملكة 2030. ومن الأمثلة على الهيئات التنفيذية الحكومية: وزارة الصناعة والثروة المعدنية، والهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية، والهيئة الملكية للجبيل وينبع، وصندوق التنمية الصناعية السعودي، وهيئة التصدير السعودية، والمركز الصناعي، والمركز الوطني للمعلومات الصناعية.
ومن القنوات التي يمكن أن تسهّل الاستراتيجية التنفيذية النابعة من الناس، والتي من شأنها أن تكمل الجهود الاستراتيجية الجارية: التحوّل الرقمي، واعتماد تكنولوجيا الجيل الرابع (4.0) الصناعية. تعمل هاتان الاستراتيجيتان التكامليتان بالتبادل فيما بينهما كاللولب المزدوج للحمض النووي اللذين لا غنى عن كلّ منهما في الوقت نفسه لاستمرارية النظام بأكمله.
على سبيل المثال، تريد المملكة الاستفادة من استخدام تقنية "التصنيع بالإضافة" (الطباعة ثلاثية الأبعاد) لتحقيق بعض أهدافها الطموحة بحلول عام 2035، ومن المقاييس المعتمدة، على سبيل المثال لا الحصر:
يتمثّل أحد العوامل الداعمة للنهوض بالصناعة في وضع أرشيف رقمي فريد للأصول المادية. يسمح هذا الأساس المتين بإعادة بناء الأصول المادية عكسيًا، وينشئ نسخًا رقمية لها بهدف تصنيع الأجزاء والمعدّات باستخدام أحدث الطابعات ثلاثية الأبعاد. أصبحت عملية الرقمنة ممكنة باستخدام أشعة الليزر عالية الدقة والماسحات الضوئية ثلاثية الأبعاد ومسابير آلات قياس الاحتكاك (Contact Measuring Machines). وتعكس هذه الأدوات هندسة الأجزاء الميكانيكية إلى معلومات رقمية غنية بالتفاصيل التقنية بغرض الاستنساخ أو التطوير أو التحسين أو الابتكار أو تحديد فرص الاستثمار.
يتيح هذا التحوّل الرقمي واستخدام تكنولوجيات الجيل الرابع (4.0) من الصناعة فرصًا في مجموعة متنوعة من المجالات، مثل التصنيع عند الطلب. يسمح هذا لأصحاب المصلحة بطباعة قطع غيار الآلات عند الحاجة لزيادة فعالية المستودعات المادية والحدّ من تكدّس البضائع.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تكون طباعة المعادن والبلاستيك ثلاثية الأبعاد مجالًا واعدًا للغاية، يفيد المصنّعين المحلّيّين الحاليين، من خلال توسيع عملياتهم الحالية وزيادة فرص الاستثمار الجديدة التي تلبّي احتياجات الأسواق الناشئة الجديدة. مع تزايد استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد والطلب على الأجزاء المطبوعة، سيفتح سوق جديد للمواد الخام بهدف الحصول على مواد للطباعة ثلاثية الأبعاد محليًا. ومن شأن استخدام تكنولوجيات "التصنيع بالإضافة" أو "التصنيع بالإزالة" أن يمكّن المملكة من سدّ الفجوات التكنولوجية الموجودة في السوق.
ومن المهمّ كذلك أن نشير إلى أنّ التصنيع باستخدام الحاسب الألي يشمل كلًّا من الآلات التي يُتحكّم بها رقميًا بواسطة الكمبيوتر (CNC) المتقدّمة، والطباعة ثلاثية الأبعاد، في الوقت نفسه، حيث يعتمد كلاهما على الملفات الرقمية ثلاثية الأبعاد كمخطط لتصنيع الأجزاء باستخدام البلاستيك أو المعدن. من خلال الاعتماد على التمثيل الرقمي للأجزاء ثلاثية الأبعاد، يمكن للمملكة زيادة استخدام هذه الأجزاء في معدّات التصنيع الرقمية الحالية (CNC أو الطباعة ثلاثية الأبعاد) قبل الالتزام بميزانيات كبيرة للاستثمارات الجديدة. ولهذه العملية فائدة إضافية تتمثل في تحديد فرص الاستثمار في المعدّات المتقدمة المطلوبة لاستكمال الجهود المبذولة. نتيجة لذلك، ستبدأ فرص الحوسبة السحابية وإنترنت الأشياء (IoT) والتعلّم الآلي بالانتشار عضويًا في المملكة.
في حين تحرص المملكة على دعم خططها التنموية الطموحة لتحقيق أهداف رؤية 2030، مهّدت طريقًا جديدًا لتحقيق هذه الخطط بالتآزر المستمر بين الحكومة والشركات المحلية.