غيّرت النقلة النوعيَّة في المركبات الكهربائية (EVs) نظرتنا إلى قطاع النقل جذريًا، ممّا أدّى إلى تحوّل هائل في قطاع صناعة السيارات في العالم. في غضون سنوات قليلة، تحوّلت المركبات الكهربائية من كونها خيار متخصص لفئة محددة إلى لاعب رئيسي في السوق، فتبّنتها الحكومات والقطاعات الاقتصادية والمستهلكون لأنّها صديقة للبيئة، في حين حوّلت شركات صناعة السيارات الكبرى تركيزها نحو إنتاج المزيد من السيارات الكهربائية.
في عام 2018، لم تتعدَّ نسبة مبيعات المركبات الكهربائية 2.3% من إجمالي مبيعات السيارات على مستوى العالم، لكنّها اليوم وصلت بين 14 و15%. وتشير التوقعات إلى أنه بحلول عام 2030، يمكن أن تصل نسبة مبيعات المركبات الكهربائية إلى 50% من مبيعات السيارات في العالم، مما ينبئ بتغيير جوهري في قطاع السيارات. وبالتزامن مع تطوّر البنية التحتية للشحن الكهربائي وسنّ سياسات داعمة من قبل الحكومات، سيكون مستقبل المركبات الكهربائية واعداً مع مستقبل أنظف وأكثر خضرة للنقل العالمي.
قطاع السيارات الكهربائية في المملكة العربية السعودية
اكتسب قطاع السيارات الكهربائية في السنوات الأخيرة المزيد من الاهتمام والزخم في المملكة، لا سيما مع سياسات تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط، حيث أدركت المملكة باعتبارها أحد من أكبر منتجي النفط في العالم أهمية الانتقال إلى وسائط نقل أقل تلوّثاً وأكثر استدامة.
اتخذت الحكومة السعودية عددًا من الخطوات لتشجيع الاعتماد على السيارات الكهربائية، ومنها "مبادرة السعودية الخضراء" و"مبادرة الشرق الأوسط الأخضر" اللتان انطلقتا في عام 2021. تهدف هاتان المبادرتان إلى مكافحة تغيّر المناخ وتعزيز الاستدامة البيئية، وتضمّان خططاً لزيادة حصّة المركبات الكهربائية بين المركبات في السوق المحلية.
في سياق هذه المبادرات، أصبح "صندوق الاستثمارات العامة" (PIF) التابع للحكومة السعودية يمتلك 63% من شركة "لوسيد موتورز" (Lucid Motors). وفي السياق نفسه، أبرمت "لوسيد موتورز" في فبراير 2022 اتفاقيات لإنشاء مصنع للسيارات مع وزارة الاستثمار، و"صندوق التنمية الصناعية السعودي" (SIDF)، و"إعمار المدينة الاقتصادية" في "مدينة الملك عبد الله الاقتصادية" (KAEC)، و"بنك الخليج الدولي" (GIB). ويتوقع أن تستفيد "لوسيد موتورز" من الدعم المالي والحوافز الاستثمارية التي يصل مجموعها إلى 3.4 مليارات دولار على مدى السنوات الخمس عشرة المقبلة.
ومن جهة أخرى، يُعد إنشاء بنية تحتية قوية لشحن السيارات من الأمور الأكثر أهمية لزيادة الاعتماد على السيارات الكهربائية، ولذلك تستثمر المملكة العربية السعودية في بناء محطات شحن في جميع أنحاء المملكة . بالإضافة إلى ذلك، تسعى "شركة البنية التحتية للمركبات الكهربائية" التي انطلقت حديثاً إلى التواجد في أكثر من ألف نقطة وتركيب أكثر من 5 آلاف جهاز شحن سريع بحلول عام 2030 في مدن المملكة وعلى الطرق التي تربط بينها.
مستقبل القطاع: التقدّم والتحوّلات
يتطوّر قطاع المركبات الكهربائية بسرعة كبيرة، وكذلك تتطوّر الصيحات التي ستشكّل مستقبل هذا القطاع، بدءاً من تحسين أداء السيارة باستمرار وصولاً إلى التجارب التفاعلية الشيقة والتقنيات الرائدة المدمجة داخل السيارة، ممّا يشير بأنّ عالم المركبات الكهربائية يمرّ بتحوّل جذري.
تعزيز أداء المركبات
التحسّن الكبير في أداء السيارات هو أحد الجوانب البارزة لهذا التحول، وهذا ما برزت فيه "لوسيد موتورز" كشركة رائدة تفتخر بسير مركباتها لأطول مدى مقارنة بغيرها من المركبات الكهربائية في الوقت الحالي. وممّا يساهم في زيادة المسافات الطويلة التي يمكن للمركبات الكهربائية قطعها بشحنة واحدة، هو تحسين تصميم البطاريات وتفاعلاتها الكيميائية. وكلّما قطعت السيارة مسافة أطول سيتقلّص قلق الحاجة إلى الشحن وتزداد جاذبية هذه السيارات الكهربائية وشعبيتها.
أصبح يمكن للمركبات الكهربائية توفير مساحة أكبر للركاب وصندوق الأغراض بنسبة تصل إلى 40% بفضل التقنيات الحديثة والتصميم المدمج والأصغر حجماً. وإلى جانب أبعاد ومقاسات الهيكل الخارجي، أصبحت المركبات الكهربائية الحديثة توفّر تجربة قيادة جديدة من خلال تزويدها بمساعد شخصي، وتعزيز الرفاهية، والإضافات المصمّمة وفقاً لاحتياجات كلّ فرد، وكلّ ذلك بهدف تحسين تجربة المستخدم. وإذا ما أراد المستهلكون التعمّق أكثر، سيدركون أنّ المركبات الكهربائية تحتوي على مكونات أقلّ بنسبة 30 إلى 40% تقريباً من المركبات التقليدية ذات محرّكات الاحتراق الداخلي، ممّا يعني أعطالاً أقلّ وتكاليف صيانة أقلّ.
تشمل هذه النقلة النوعية أساسيات القيادة أيضاً، حيث تستخدم التقنيات المتقدمة طاقة المحرّك للتسارع والتباطؤ بكل انسيابية، وهذا ما يقلّل من دور دواسات الفرامل التقليدية. تساهم هذه المزايا مجتمعة في خفض "تكلفة التملّك" طويلة الأجل، ممّا يؤكّد مجدداً على فعالية اعتماد المركبات الكهربائية من حيث التكلفة في المملكة.
في ظلّ هذا المشهد، تعتبر التحسينات والتطوّرات التي تحصل على صعيد البطاريات بمثابة قوة دافعة لثورة المركبات الكهربائية، وهي تطوّرات تمهّد لحصول المركبات على قدرات مثيرة للإعجاب، مثل قوة محرّك تصل إلى ألف و111 قدرة حصانية، وكلّ ذلك مع استخدام محرّكات أصغر. لقد أصبح استخدام محركات كهربائية أكثر قوة وكفاءة ممكنًا بفضل التحسين المستمر لتكنولوجيا البطاريات. فعندما تصبح البطاريات كثيفة الطاقة والفعالية، عندها يمكن لشركات صناعة السيارات توفير مركبات يوازي أداؤها أداء المركبات التقليدية ذات محرّكات الاحتراق الداخلي، لا بل قد تتفوّق عليها بمراحل عديدة.
توافق البرمجيات والعتاد
بالإضافة إلى التحسينات في الهاردوير، يبرز تكامل هذه المكوّنات مع البرمجيات كسِمةٍ مميّزة لقطاع المركبات الكهربائية المستقبلية. تخيّل أنّك تجلس في سيارة كهربائية مختبراً إحساس الانغماس في ببيئة افتراضية حاسوبية؛ إمكانية الابتكار في هكذا وضع ستكون هائلة، وسيكون بالإمكان توفير تجارب شيقة للسائقين والركّاب على حدّ سواء.
تُقدِّم المركبات الكهربائية إمكانيات تتجاوز بكثير قدرات لوحات القيادة التقليدية للسيارات من خلال استغلال دمج الذكاء الاصطناعي و"البلوك تشين". وأصبحت هذه المركبات كذلك مسرحاً للتجارب المصمّمة حسب احتياجات كلّ مستخدم، بفضل أسواق التطبيقات وفتح الباب أمام الإضافات التي يوفّرها طرف ثالث. باستخدام هذه التطبيقات، يمكنك على سبيل المثال التحقّق من حالة بطارية مركبتك الكهربائية، والبدء في تبريد سيارتك قبل دخولها، وتحديد موقع مركبتك في موقف السيارات. بالإضافة إلى ذلك، يقدم الكثير من مصنّعي المركبات الكهربائية تحديثات لاسلكية للبرمجيات ونظام التشغيل (OTA) تسمح للمستخدمين بتلقّي أحدث الميزات وإصلاحات الأخطاء والتحسينات عن بُعد. غالباً ما تأتي المركبات الكهربائية مزودة بأنظمة معلومات وترفيه متطورة للغاية، مثل شاشات اللّمس كبيرة التي تتيح الوصول إلى مجموعة واسعة من الميزات، كتصفّح الإنترنت ومشاهدة المحتوى الموسيقي والملاحة، وكلّ ذلك في واجهة مركزية واحدة بطريقة أسهل ممّا كانت عليه سابقاً.
البنية التحتية للشحن الكهربائي تعزّز نهضة التحكّم الذاتي
يتوقّع أن يزيد انتشار المركبات ذاتية القيادة مع استمرار المدن في جميع أنحاء العالم بالاستثمار في البنية التحتية للشحن، وذلك لأنّ شبكات الشحن تلعب دوراً محورياً بصفتها مراكز لإشراك العملاء أثناء عملية الشحن على غرار المفهوم الحديث لمحطات الوقود وليس كمحطات للتزود بالطاقة فقط. إلى جانب ذلك، أصبح مفهوم تقنية "السيارات إلى شبكة الكهرباء" (V2G) محطّ اهتمام، لا سيما وأنّه يخوّل السيارات الكهربائية أن تساهم في مدّ شبكة الكهرباء بالطاقة خلال أوقات ذروة الطلب. تسلّط هذه الميزة المبتكرة الضوء على الإمكانات الكبيرة للمركبات الكهربائية والتي تتجاوز دورها في مجال النقل، مما يجعلها من الموارد الحيوية للطاقة.
تغيير ديناميكيات المهارات في ثورة المركبات الكهربائية
ستغيّر نهضة المركبات الكهربائية المتطلّبات من المهارات في قطاع السيارات. فعندما تصبح المركبات الكهربائية أكثر انتشاراً واستخداماً، ستتطوّر المهارات اللازمة لتصميمها وتطويرها وصيانتها. هذه النقلة النوعية ستوفّر فرصاً جديدة للمهنيين في مجال البرمجة وهندسة الكمبيوتر، بصورة تعكس التقاطع المتزايد بين قطاعي التكنولوجيا والنقل. وبما أنّ قطاع السيارات أصبح مدفوعاً بالبرمجيات، فإنّ المختصين من ذوي الخبرة في تطوير البرمجيات والذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات سيلعبون أدواراً محورية في تشكيل الجيل القادم من السيارات الكهربائية.
في الختام، يعٍدنا مستقبل قطاع السيارات الكهربائية بأمور شيقة، مدفوعاً بالتحسينات في الأداء وتكنولوجيا البطاريات واستخدام البرامج ومتطلّبات أصحاب المهارات المتطوّرة. كما أنّ تكامل هذه التوجّهات يغيّر مشهد قطاع السيارات ويدفعنا إلى عصر يتسّم بتجارب نقل مستدامة غنية تقنياً.