من منّا لا يريد أن يكون مديرَ نفسِه، ومالك القرارات الأول في عمله، والانتقال من الوظيفة إلى امتلاك مشروعٍ خاصٍّ به؛ ليصبح "رائد أعمال"؟!
لا يخفى علينا النموذج الرائع لرائد الأعمال بيتر ثييل "أحد مؤسِّسي شركة "pay pal" الذي توقّع احتياجات السوق المستقبليّة وعمل على خلق فكرةٍ جديدة. حيث أدرك الفرصة واكتَشَفَها، وعزم على بدء مشروعه، وأمّن المصادر والإمكانات اللازمة لتشغيله، وعمل على خلق ما هو جديد ومختلف بشكلٍ يلبّي احتياجات العملاء ومتطلباتهم.
يشترك روّاد الأعمال بأن لهم فهمًا ورؤيةً مختلفةً للبيئة والمواقف والتغيرات من حولهم. فهم يركّزون على المستقبل البعيد، حيث يعملون على تصور واستشراف الأحداث في المستقبل وبالتالي معرفة احتياجات السوق والمجتمع مستقبلًا والعمل على ابتكار فكرةٍ إبداعيّةٍ يُتوقَّعُ نجاحها في ظل ظروف عدم التأكد.
ومن أهم صفات روّاد الأعمال الناجحين:
وقد عَمِل "بيتر ثييل" على إشباع احتياجات العملاء من خلال توفير خدمة دفع آليّة بديلة لخدمة الدفع الورقية، وساهمت شركته " pay pal" بتوسيع شبكة التحويل المالي على مستوى العالم، موفرةً الخصوصية والدقة والسرعة لمستخدمي الخدمة، مما منحها الريادة العالمية.
والريادي لا يعمل منفردًا بالتأكيد، فهو بحاجة لفريقِ عملٍ يؤمن بالفكرة ومستعدٍّ لبذل كامل الجهود لتحقيقها. وبيئة عمل المشاريع الرياديّة مختلفة؛ فهي مليئة بالتحديات والمغامرات بشكلٍ مستمر، والعاملين في هذه المشاريع يحتاجون لمن يحفّزهم ويشجّعهم لأداء مهامهم.
في سنة 2002 قام " ثييل" بطرح شركة pay pal للاكتتاب العام، واستحوذت شركة e-bay عليها مقابل 1.5 مليار دولار، حيث كان الهدف البعيد المدى من عمليّة النمو والتطوير بيع الشركة.
وهذه الفلسفة يتبنّاها الكاتب الأمريكي "مايكل لي جريبر"، حيث يذكر جريبر في إحدى محاضراته أن النمو يكون لأجل البيع، وأن فكرة توريث المشاريع للأبناء فكرة سيئة جدًّا، حيث يفسّر جريبر وجهة نظره هذه بأن الأبناء عندما يتولّون إدارة هذه المشاريع سيكونون بخبرة آبائهم، وهذا لا يضيف للمشروع، بل يضرّه ويسلبه قيمته.
وبعد تصفية شركة pay pal، انطلق العاملون السابقون للشركة ومضوا في مشاريعهم الخاصة منتجين لنا يوتيوب، ولينكد إن، والعديد من المشاريع العملاقة التي أصبحت جزءًا من ثقافتنا، وأدوات وخدمات نستخدمها لتسيير حياتنا.
حيث أسّس كلٌّ من "تشاد هيرلي، وستيف تشين، وجاود كريم" موقع يوتيوب لمقاطع الفيديو. وأسّس ريد هوفمان مع بعض أعضاء الفريق المؤسس لـ pay pal موقع لينكد إن للوظائف. فتخيّل معي كيف كانت بيئة عملهم؟ وكيف كان تعامل "ثييل" معهم كمؤسس ومدير تنفيذي؟
يقول "مايكل لي جريبر" أن ريادة الأعمال تحتاج أن يكون لديك: (حلم، رؤية، هدف، ومهمة) ثم تابع مضيفًا إنَّ الحالم من يملك حلمًا، والمفكر من يملك رؤية، والراوي من يملك هدفًا، والقائد من لديه مهمة. فالريادي شخصُ حالمٌ، ومفكرٌ، وراوٍ، وقائد.
إن القائد الناجح من يستطيع تغيير سلوك من يقودهم، وزرع إيمان عميق بالفكرة لديهم، حيث نرى بوضوح كيف أن استمرار الموظفين السابقين لـ pay pal في ابتكار أفكارٍ جديدة، وتطوير أساليب خدمة مميّزة؛ يعكس مدى كفاءة ثييل كقائد، سواءً أكان تأثيره عليهم من خلال التعامل الشخصي أو من خلال توفير بيئة عمل خلّاقة وإبداعية.
وكلما كانت الدول أو المجتمعات تمتلك برامج تنمية اقتصادية، وتُسهم في تمويل وتطوير المشاريع الإبداعية، كلما زاد عدد المشاريع الرياديّة فيها. لأن البيئة داعمة لتوليد أفكار جديدة، وموفِّرة للعوامل المساعدة على إنشاء مشاريع رياديّة.
تذكُرُ رائدة الأعمال "مشاعل آل علي" في إحدى دورات ريادة الأعمال أن أهمية مشاريع روّاد الأعمال تكمن في الفائدة العائدة على المجتمع من خلال تنمية اقتصاده الإبداعي. وعليه؛ فإن قوة الاقتصاد الكلي أو القومي الخاص بالمجتمع ستنعكس على رفاهية وجودة حياة الأفراد.
ووفقًا لموقع "الولايات المتحدة لإحصاءات العمالة: "فإن 50% من الشركات الناشئة تفشل في السنوات الأربع الأولى من العمل."
عزيزي القارئ إن المشاريع الريادية ضرورية. فرغم المخاطر التي تتضمنها، ونسبة الفشل العالية المحتملة، إلا أن أغلب هذه المشاريع عندما تصل لنقطة التحوّل التي تمثِّل الانطلاقة لها، تُدِرُّ عوائد ماليّة مرتفعة تُفيد مؤسسيها واقتصاد المجتمع معًا. ولكي تستمر هذه المشاريع حتى تصل إلى نقطة التحوّل تحتاج أن يكون الريادي المالك أو المؤسس لها متّصفًا بصفات القائد وقادرًا على أداء مهام القائد، لتتحقق الفائدة منها.
ما أجمل تلك اللحظة التي ترى فيها فكرتك مطبّقةً على أرض الواقع، تلك الفكرة التي آمنت بها وناضلت لأجلها. ولكي تصل إلى هذه اللحظة يجب أن تكون قائدًا محفّزًا ومشجّعًا لفريقك وتزرع الفكرة في قلوبهم ليؤمنوا بها. تخطِّط وتراقب الحلم ينمو ويكبر، مع استمراريّةٍ وصبر.
المصادر: