ريادة الأعمال في عالم الترجمة

جميلة شاه – مسار جازان
هذا المقال بقلم أحد المشاركين المتميزين في برنامج صوت الشباب. صوت الشباب برنامج إثرائي يهدف لإشراك الشباب من مختلف أنحاء المملكة في عدد من الندوات واللقاءات التدريبية والحوارية التي تركز بشكل رئيس على مهارات التواصل والإقناع والتفكير النقدي

يقول ريد هوفمان مؤسس شبكة "لينكد إن" الشهيرة: "رائد الأعمال هو الشخص الذي يقفز من أعلى المنحدر ويبني طائرة وهو في طريقه إلى الأسفل."

 إن ريادة الأعمال لا تتمحور فقط حول المشاريع التجارية، بل هي فرصة للمضيِّ قدمًا نحو شغفك الذي يشكل الملامح الأساسيّة لذاتك وهويتك، شغفٌ تستثمر فيه جلَّ وقتك وجهدك، وسعيٌ نابع من حبٍّ صادق، وإيمانٍ عميق بأهمية نشاطٍ معيّن. إنَّ كونك رائد أعمال ناجح في مجالك الذي تهواه يعني أنَّ لك تأثيرًا مباشر في اقتصاد البلد، فأنت بذلك تحارب البطالة والأزمات الاقتصاديّة وتخلق فرصةَ عمل لك ولغيرك، وتساهم في تحقيق ثروة لك ولعائلتك وللمجتمع الذي تنتمي إليه. كثيرةٌ هي المجالات التي تستطيع أن تبدأ فيها مشروعك أو عملك الخاص وتسير في طريقك نحو نجاحٍ باهر، لكن من المهم أن تتذكر أنه كحال أي مشروع يتحتم عليك أن تكون مستعدًّا لبذل أقصى الجهود والطاقات المتاحة مادية كانت أو بشريّة، وحتمًا ستعود عليك بفائدةٍ جمّة إذا استثمرتها بشكل جيد. ذكرت "نيكول مارتينز" عشرين قطاعًا واعدًا سوف يزدهر في عالم ريادة الأعمال في العقد الجديد من بينها أعمال التسويق وصناعة الخدمات والأسواق الإلكترونيّة والاستثمار في المواقع والمدونات الإلكترونيّة وصناعة المحتوى وابتكار التطبيقات وغيرها، ولعل من أبرز ما ذكرته قطاع الترجمة وذلك لطبيعة عملها الحر. ولكن هل تكفي ميزة الحرية في العمل لنقول عنه إنه عملٌ ريادي؟ وهل كلّ مترجم رائد أعمال؟ وإن كان كذلك فمن هم أبرز روّاد الأعمال في عالم الترجمة؟

هل الترجمة عملٌ ريادي؟

إن تعريف ريادة الأعمال هو "إنشاء عملٍ حرّ يتّسم بالإبداع ويتصف بالمخاطرة" ( الشميمري والمبيريك، 1440هـ، ص 26)، وبناءً عليه فإن العمل الريادي مبني على ثلاث ركائز أساسية وهي: الحرية والمخاطرة والإبداع، وإذا نظرنا إلى مهنة الترجمة فإنها خيارٌ مهنيّ مربح للطلاب والخريجين الجدد، وبحسب موقع مامسورس (Memsource) لإدارة الترجمة؛ فقد تضاعف حجم قطاع الخدمات اللغوية العالمية على مدى السنوات العشر الماضية من 28.34 مليار دولار في عام 2011 إلى 56.18 مليار دولار في عام 2021، والعاملون في مجال الترجمة بين خيارين: العمل الوظيفي كالتدريس، والعمل في مكاتب خدمات الترجمة ومكاتب السياحة. أو العمل الحر كمترجمين مستقلين يديرون مشاريعهم الخاصة بأنفسهم، وحسب الدراسة التي أجراها فريق من الباحثين في موقع ترجمة ( Trgamah) فغالبًا ما يميل المترجمون -خاصة الناشئون منهم- إلى العمل الحر نظرًا لقلة الفرص الوظيفية المتاحة وارتفاع نسبة البطالة في الوطن العربي، وبناءً على ما سبق نستطيع أن نقول إن الترجمة مهنةٌ يطغى عليها طابع الحرية والاستقلاليّة. 

أما الركيزة الثانية في ريادة الأعمال فهي المخاطرة المدروسة والمخطط لها مُسْبَقًا لتحمّل نتائجها وتبعاتها سلبيةً كانت أو إيجابية، وقد يُعتقد أن المخاطرة متعلقة بالأمور المالية فقط، ولكنها في الحقيقة تشمل أمورًا أخرى منها: المخاطرة بطرح فكرة حديثة قد لا تلاقي قبول المجتمع كترجمة محتوى غربي لا يتّسق مع الثقافة العربية والإسلامية. ولكن الهدف من الترجمة هو توفير ذلك المحتوى باللغة العربية لمن يريد الاطلاع على الثقافة الغربية لدراستها، أو قد تكون المخاطرة بالدخول في منافسة مع شركات ترجمة مماثلة وإقناع العملاء بتميز شركته عنهم، أو المخاطرة بتكريس الوقت والجهد في ترجمة كتب قد لا تعود بالفائدة والأرباح المرجوّة وهو الغالب في قطاع الترجمة الحرّة. ولا يكفي في مزاولة أنشطة الترجمة الحرّة أن نقول عنه إنّه عمل ريادي فقط لكونه محفوف بالمخاطر، بل لا بد أن يكون فيه جانب إبداعي يميزه عن غيره من خدمات الترجمة المتاحة، فقد يكون الإبداع سلعة محسوسة كابتكار تقنية أو منتج صناعي يخدم المترجمين، وقد يتجلى الإبداع في خدمة غير ملموسة كترجمة المؤلفات الأدبية والنظرية في شتى العلوم أو استحداث أساليب وطرق جديدة في تقديم خدمات فريدة للعملاء.

هل كلُّ مترجمٍ رائدُ أعمال؟

قال توريش (Tirosh, 2014): يرى بعض الباحثين أنه لا يمكن القول بأن جميع المترجمين روّاد أعمال؛ لأن روّاد الأعمال يشاركون في أعمالٍ أو قطاعاتٍ متعددة، بينما يميل المترجمون إلى التمسك بمجالهم، وفريق آخر يرى أنهم كذلك لوجود قواسم مشتركةٍ قويّةٍ بين المترجمين ورجال الأعمال. وبحسب تقرير أجراه مركز المملكة المتحدة لدراسات السياسات (UK Centre for Policy Studies) حول روّاد الأعمال المتميزين؛ وُجِدَ أنهم يتمتعون بخصائص معيّنة منها: الإبداع، وأخلاقيات العمل، والطموح، والتفاؤل، والثقة بالنفس، والصفات القياديّة، والقدرة على التكيف، والقدرة على التعامل مع الفشل، ويملكون مهارات اجتماعية جيدة، وفي نتائج  البحث الذي أجرته جامعة فيينا لتحديد خصائص المترجمين توصلوا إلى  أن 80٪ من المترجمين يعملون لحسابهم الخاص، وغالبيتهم مبدعون ومؤهلون بكفاءةٍ عاليةٍ ويتحلّون بأخلاق مهنية إيجابية ويمتلكون قيمًا اجتماعية فريدة، وبما أن كلتا المجموعتين تتكون من أفراد يعملون لحسابهم الخاص ولديهم دوافع ذاتية قوية ويعرفون بوضوح ما يريدون من عالم العمل، يمكننا القول بأن المترجم الناجح رجل أعمال لكن لديه ميلًا للغات بدلًا من الأعمال التجارية.

أبرز روّاد الأعمال في عالم الترجمة:

الريادة في عالم الترجمة تشمل الأفراد والمؤسسات، والريادي في عالم الترجمة ليس بالضرورة أن يكون مترجمًا، بل قد يكون صاحب مشروع ريادي يخدم الترجمة مثل: أصحاب الشركات أو المواقع والمنصاات الإلكترونية التي توفر فرص عمل للمترجمين وتعمل كحلقة وصل بينهم وبين العملاء، أو قد يكون مبتكِرًا لتقنية أو لبرامج تسهّل عمل المترجمين كأدوات الترجمة بمساعدة الحاسوب وتشمل المدقِّقات النحوية والإملائية وأدوات معالجة الكلمات والنصوص، وبرامج ذاكرة الترجمة، أو قد يكون الريادي مؤسسة لها مبادرات غير ربحية تسعى لتقديم خدمة للمجتمع من خلال الترجمة، وهو ما يُسمّى بريادة الأعمال الاجتماعية، ولعلّنا نذكر نموذجًا رياديًّا ناجحًا  لكلٍّ من الأفراد والمؤسسات في عالم الترجمة:

  • فيليب شاوي: أحد أفضل روّاد الأعمال في نيويورك، وهو المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة (TransPerfect)، والتي صُنِّفت كثاني أفضل شركة للترجمة على مستوى العالم في عام 2021 حسب تصنيف موقع (SmartCat)، وتعمل الشركة منذ أكثر من خمسة وعشرين عامًا، أنجزت خلالها قرابة 300 ألف مشروع لغوي، ولديها نحو تسعين مكتبًا للترجمة حول العالم.
  • دارة الملك عبد العزيز: وهي مؤسسة ثقافية سعودية تهدف إلى خدمة تاريخ وجغرافيا وآداب وتراث المملكة العربية السعودية والجزيرة العربية والعالم العربي، ولها إسهامات عظيمة في نشر البحوث والمقالات في كافة وسائل الإعلام، وأطلقت عدّة مبادرات اجتماعية من ضمنها مبادرة "ويكي دوِّن" التي تهدف إلى  إثراء المحتوى الرقمي السعودي والعربي والإسلامي من خلال إنشاء وتطوير وترجمة مقالات في الموسوعة العالمية الحرّة (ويكيبيديا)، تطوّع في هذا المشروع عدد من المؤسسات التعليمية والمراكز العلمية والأفراد وطلاب وطالبات من قسم اللغات والترجمة من مختلف الجامعات السعودية لترجمة مئات المقالات من الإنجليزية إلى العربية لإثراء المحتوى العربي الرقمي.

إن فهم ماهيّة روّاد الأعمال يساعد الناس على إدراك قيمة ما يمكنهم المساهمة به في تطوير العالم، فروّاد الأعمال يساهمون في تحسّن الدخل القومي بتوفير وظائف لهم ولغيرهم و يهدفون إلى تغيير العالم للأفضل بمنتجاتهم وأفكارهم، فهم بذلك يصنعون ثروة جديدة لاقتصاد بلادهم، والعمل الريادي يتميز عن غيره من المشاريع الحرّة بسمات عدّة نجدها كثيرًا في الأعمال المتعلقة بمجال الترجمة الحرّة، ونسبة كبيرة من العاملين في هذا المجال يتّسمون بصفات روّاد الأعمال، و بالاستناد إلى ذلك نستطيع أن نقول عن مهنة الترجمة الحرّة وما يتعلق بها من مشاريع مبتكرة أنها أعمال رياديّة بدرجةٍ كبيرة.  كما أن قطاع الترجمة من أكثر القطاعات الخصبة للاستثمار وخاصةً في العالم العربي وهو بحاجة إلى دفعةٍ قويّةٍ من روّاد الأعمال المبتكرين لتنظيم قطاع الترجمة وتطويره بما يساهم في زيادة التبادل الثقافي والمعرفي بين الشعوب، وإثراء المحتوى العربي المعرفي بالأعمال المترجمة، وإيجاد فرص لكثير من المترجمين العاطلين عن العمل.

 

 

المراجع:

  1. Ahmed, B. (October 6, 2014). العمل الحر في مجال الترجمة بالوطن العربي [انفوجرافيك].
  2. Ferreira, N. M. (Sep 2, 2020). What is entrepreneurship?
  3. Keyes, T. (March 2, 2021). Top 100 translation companies in 2021
  4. Memsource's Team. (May 12, 2021). How to Start a Translation Career
  5. Philip R. Shawe. (February 28, 2021). Retrieved from Wikipedia
  6. Tirosh, O. (August 7, 2014). Tomedes. Retrieved from Are All Translators Entrepreneurs?
  7. أحمد عبد الرحمن الشميمري، ووفاء ناصر المبيريك. (1440هـ). ريادة الأعمال. الرياض: العبيكان للنشر.
  8. ويكي دوِّن. (2021). تم الاسترداد من مركز التاريخ السعودي الرقمي
logo

كن على إطلاع بآخر المستجدات

اشترك في نشرتنا الإخبارية واحصل على مستجدات البرامج والفعاليات