إنّ ريادة الأعمال الاجتماعيّة أحد مقوّمات نهضة المجتمعات ورفاهيّتها؛ لما تقدّمه من حلولٍ جذريّةٍ مستدامةٍ لمواجهة تحدّياتٍ اجتماعيّةٍ من خلال مشاريعَ مبتكرةٍ لروّاد الأعمال الاجتماعيين. ولا شك أنَّ لريادة الأعمال الاجتماعيّة دورًا جوهريًّا في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030، فهي تصبُّ في المحاور الأساسيّة الثلاثة للرؤية: مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح، وفي العديد من الأهداف المتعلّقة بمحور تنميةِ وتعزيزِ ريادة الأعمال. فنجد أنَّ ريادة الأعمال الاجتماعيّة تحقّق الاستدامة بمعناها الأوسع وليس فقط الاستدامة الماليّة، لأنّها تسعى لإيجاد حلولٍ مبتكرةٍ لمشاكل تنمويّة، سواء كانت اجتماعيّة، أو اقتصاديّة، أو بيئيّة، بالتالي تكون الحلول ذاتَ أثرٍ اقتصادي؛ الأمر الذي يُسهم في رفع الناتج المحلي.
وفي هذا المقال سنوضّح مفهوميْ ريادة الأعمال الاجتماعيّة ورائد الأعمال الاجتماعي، ثم سنتطرّق إلى أهم السمات التي تميّز رائد الأعمال الاجتماعي، بعد ذلك سنستعرض أمثلةً لشركاتٍ مجتمعيّة سعوديّةٍ واعدة في قطاعيّ التعليم وتنمية الموارد البشريّة والتنمية الاجتماعيّة التي تساهم في تحسين جودة حياة فئة الشباب؛ ليكونوا سواعدَ بناء محوريّة في جدران رؤية المملكة 2030. وأخيرًا، سنذكر المستويات الثلاثة لقياس أثر ريادة الأعمال الاجتماعيّة على المجتمع.
تعتبر ريادة الأعمال الاجتماعيّة أحد أنواع ريادة الأعمال، والتي يمكن تمييزها على أنّها فكرةً مبتكرة قابلةً للتطبيق، وتهدف لحلِّ قضيّةٍ اجتماعيّةٍ باستخدام الموارد المحدودة وتحقيق أقصى استفادةٍ لها من أجل أثرٍ اجتماعيٍّ مُستدام. وقد اختلف الباحثون والكتّاب حولَ مفهومِ ريادة الأعمال الاجتماعيّة أو الريادة الاجتماعيّة، ويمكننا ذكر أهمِّ هذه التعريفات فيما يلي:
- عرّفها (Hibert, Hogg) وآخرون على أنّها: مشروعٌ رياديٌّ غايته المنفعة المجتمعيّة أكثرَ من تحقيق الربح المادي.
- أمّا (معهد الريادة الاجتماعيّة) فقد عرّفها على أنّها: استخدامُ فنِّ تحقيق أرباح ماديّة وقيمة مجتمعيّة جوهريّةٍ من مشروعاتٍ استثماريّة.
- ووفق تعريف (Fowler) فإنَّ ريادة الأعمال الاجتماعيّة: "عمليّة خلق بُنى وهياكل اقتصاديّة اجتماعيّة قابلةً للتطبيق، وعلاقاتٌ ومؤسّسات وممارساتٌ تعظّم الفوائد الاجتماعيّة".
وعلى الرغم من تعدد التعريفات حول مفهوم ريادة الأعمال الاجتماعيّة لدى الباحثين، إلا أنّها تدور حول إيجاد حلولٍ مبتكرةٍ لمشكلات المجتمع مع محاولة الاستفادة القصوى من الموارد المحدودة، لتحقيق تغييرٍ حقيقيٍّ ومستدام. كما أن ريادة الأعمال الاجتماعيّة تقدّم حلًا قابلًا للتطبيق في أي مجتمع، أو على الأقل يمكن تكييفها حسب ظروف المجتمع فهو غير مقيّد بالسياق المحلي، ولذلك يمكننا قياس نجاح ريادة الأعمال الاجتماعيّة بناءً على مدى قابليتها للتعميم وإمكانية نقلها إلى مجتمعات أخرى.
وبحسب تعريف مجلّة مراجعة التكنولوجيا الكنديّة، فإنَّ شركات ريادة الأعمال الاجتماعيّة تتبع أحد هذين النموذجين:
إننا قد نتساءل من هو رائد الأعمال الاجتماعي؟ هو في الحقيقة شخص صاحب فكر إبداعي، لديه وعي بمشكلات مجتمعه، فيبادر بفكرةٍ ابتكاريّة خلّاقة لحلّ إحدى هذه المشكلات من باب حسِّه بالمسؤوليّة. وهناك تعريفات عديدة في الدراسات الأكاديميّة لمفهوم رائد الأعمال الاجتماعي، فحسب تعريف Labarre, Fishman وآخرين فإنَّ روّاد الأعمال الاجتماعيين: هم أناس قرّروا أن يبدعوا -في مواجهة تحدّيات عميقة في المجتمع- عن طريق فكرة عمليّة جديدة. ويقول Thompson, Alvy, & Lees: روّاد الأعمال الاجتماعيّون مبدعون انتهزوا الفرصة لمواجهة حاجاتٍ لم تستطع الدولة تلبيتها، فقاموا باستخدام الموارد المحدودة لإحداث تغيير ملموس في المجتمع.
ومن أهم السمات التي تُميّز رائد الأعمال الاجتماعيِّ ما يلي:
ولا شك أنَّ الشركات المجتمعيّة في مختلف القطاعات لها دورٌ فعّال في تحسين جودة حياة المجتمعات ورفاهيّتها، مما يجعل الحياة أسهل وأفضل للجميع. ومن أمثلة الشركات المجتمعيّة في السعوديّة، والتي تساهم في سد الفجوة بين القطاع الأكاديمي وسوق العمل: شركة جسّر.
جسّر: شركةٌ مجتمعيّةٌ معتَمَدةٌ احتُضنت عام 2020 من قبل حاضنة أعمال STC InspireU في برنامجها ImpactU لدعم مشاريع الاستدامة والريادة الاجتماعيّة.
تعتبر جسّر أوّلَ منصّةٍ تربط بين القطاع الأكاديميِّ وسوق العمل، فهي تقدّم حلولًا مبتكرةً منخفضةَ التكاليفِ لمشاريع الشركات والمنشآت الصغيرة والمتوسطة، يعمل عليها طلّاب الجامعات من خلال مشاريعهم الدراسيّة والأكاديميون من خلال أبحاثهم. وترتبط جسّر برؤية المملكة 2030 ارتباطًا وثيقًا، لاسيّما فيما يخصُّ محورَ الاقتصاد المزدهر، فإنَّ جسّر تسعى إلى توجيه جيل الشباب ودعمهم لحلِّ مشاكلَ حقيقيّةٍ في سوق العمل، وذلك من خلال المساعدة في بناء نظامٍ تعليميٍّ منسجمٍ مع احتياجات السوق وتجهيز الطلّاب بالمهارات والأدوات اللازمة لوظائف المستقبّل.
ومنذ انطلاق الشركة فقد حققت جسّر شراكاتٍ مع أكثر من 5 جامعات حكوميّة، واستفاد من خدماتها ما يزيد عن 500 طالب جامعي، بالإضافة إلى تسليمها لأكثر من 100 مشروع كحلول للشركات، والتي تزيد عن 90 شركة قائمة في السعوديّة.
جسّر تقدّم للجامعات خدمة تحويل مشاريع المواد الدراسيّة إلى مشاريع عمليّة تفاعليّة مع سوق العمل. وهذه الخدمة تهدف إلى تحسين وتطوير التجربة التعليميّة الجامعيّة، مما يساعد في خلق بيئةٍ مناسبةٍ للطلّاب لتنمية شغفهم في مجالات سوق العمل وتوسيع مداركهم العمليّة خلال دراستهم، وحتى قبل التحاقهم بمرحلة التدريب التعاونيِّ أو مرحلة مشروع التخرج، ومن ثم البحث عن وظيفة. هذا من شأنه أن يساعد الطلّاب على اكتشاف تخصّصاتهم بشكلٍ عمليٍّ منذُ مرحلة مبكرة، ويساهم في تعرّفهم على مجالات سوق العمل التي تناسب ميولهم وشغفهم.
كذلك نجد من الشركات المجتمعيّة في قطاع تنمية الموارد البشريّة والتنمية الاجتماعيّة في السعوديّة شركة كيز، والتي تقدّم يد العون للشباب السعودي للوصول للفهم التامِّ لطموحهم وشغفهم وهدفهم في الحياة، وبالتالي يُديرون حياتهم بكل فاعليةٍ ويساهمون في ازدهار اقتصاد البلد.
وأتت الحاجة الملحّة لإطلاق شركة كيز، نتيجة ملحوظاتٍ استنبطتها الرائدة الاجتماعيّة الدكتورة سارة غالب – أحد مؤسسي الشركة – على مدار أكثر من 10 سنوات في تدريب آلافٍ من روّاد الأعمال الشباب من جميع أنحاء المملكة العربيّة السعوديّة، ومن أبرز هذه الملحوظات تعثّر العديد من المشاريع الناشئة وعدم استمراريتها؛ نتيجة عدم تناغمها مع شغف روّاد الأعمال، مما أسفر عن خسائرَ ماديّةٍ طائلةٍ على أصحاب المشاريع الناشئة.
لذلك تقدّم شركة كيز برنامجًا تدريبيًّا متكاملًا للشباب السعوديِّ يساعدهم في معرفة غايتهم وشغفهم وبيان رسالتهم الشخصيّة في الحياة، وذلك بهدف تعزيز التنمية البشريّة وإلهام الشباب للتفكير وإطلاق جميع المهارات المساهمة في إعدادهم لمستقبّل أكاديميٍّ مشرقٍ وجاهزيّتهم لخوض مسارٍ وظيفيٍّ واعد، ويمكننا قياس أثر ريادة الأعمال الاجتماعيّة على المجتمع وفق ثلاث مستويات، هي:
ختامًا، وبعد أن تعرّفنا على مفهوميْ ريادة الأعمال الاجتماعيّة ورائد الأعمال الاجتماعي، وتأمّلنا معًا أمثلةً لشركاتٍ مجتمعيّةٍ سعوديّة تساهم بشكلٍ كبيرٍ في تحسين جودة حياة المجتمع وفئة الشباب بشكلٍ خاص، فيمكننا القول بإيجاز أنَّ ريادة الأعمال الاجتماعيّة تنطلق من عقول أولئك الروّاد الذين يأتون بأفكارٍ جديدة لحلِّ مشكلاتٍ كبرى متأصّلة في مجتمعاتهم، فلا يهدأ لهم بال حتى يصلون لأهدافهم، ويساهمون من خلالها في تنمية المجتمع ونهضته. ونحن نطمح في المستقبّل القريب إلى المزيد من هذه الأفكار الرياديّة المجتمعيّة في مختلف القطاعات والمجالات، لنساهم في تطور المجتمع ورفاهيّته بحلول عام 2030.
المراجع: