مهارات تصميم تجربة المستخدم ضمن عالم الميتافيرس

فرضت الثورة الرقمية حضورها بقوة على الواقعين الاقتصادي والاجتماعي على حد سواء، بحيث أضحت المؤثر الرئيسي لتوجهاتهما وتقلباتهما، لتبرهن على مدى تغلغل التقنيات في روتين حياتنا اليومية، وصولاً إلى دوائر صنع القرار. الأمر الذي أجج بدوره حدة المنافسة التقنية بين الشركات والحكومات باعتبار الخوض في العالم الرقمي أصبح خياراً حتمياً لبقائها، ودفعها بالنتيجة إلى نقل هذا السباق إلى العوالم الافتراضية، وعلى رأسها عالم ميتافيرس.

واستناداً على النتائج الأخيرة لأعداد مستخدمي شبكة الإنترنت (الذي ناهز الـ 4.8 مليار مستخدم)، وازدهار قنوات التجارة الإلكترونية، وانتشار الأنظمة الاجتماعية الافتراضية على نطاق غير مسبوق، وغير محدود، أصبحنا نعيش تحت سقف العالم الرقمي بكل ما في الكلمة من معنى، ما انعكس على طبيعة تجربة المستخدم في هذا العالم، وتنامت الدعوات بضرورة تعزيز هذه التجربة بشكل مبتكر وخلاق.

ميتافيرس ومستقبل السعودية

من جهةٍ أخرى، وفي ظل سعيها المستمر للنهوض بمجتمع واقتصاد الوطن، وتماشياً مع أهداف واستراتيجية رؤية 2030، أقرت الحكومة الرشيدة في المملكة خطة مستقبلية قائمة على تبني وتوظيف قدرات عالم ميتافيرس، لما له من عوائد وفوائد لا تُحصى، بدأت تجني ثمارها خلال مرحلة تخطيطها وتطويرها لبعض المشاريع العملاقة في المملكة، وفقاً لما جاء على لسان معالي المهندس عبد الله السواحة، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات السعودية، أثناء حديثه من على منبر "المنتدى الاقتصادي العالمي" في دافوس، بسويسرا.

كما أنه لا يمكن التغاضي بعد الآن عن الأثر الكبير والمستدام الذي يحققه عالم الميتافيرس، وتؤكده نتائج آخر التقارير الصادرة عن شركة "ستراتيجي آند ميدل إيست"، إحدى شركات مجموعة "برايس ووترهاوس كوبرز" العالمية، التي أشارت إلى أن عوائد الاستثمارات في عالم الميتافيرس ستحقق ما قيمته 15 مليار دولار لصالح اقتصادات دول الخليج بحلول العام 2030، تتصدرها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة بحصص ستصل إلى 7.6 مليار دولار و3.3 مليار دولار، على التوالي.

الجاذبية البصرية

أما القيمة الجمالية والعملية لعالم ميتافيرس فإنها تتمثل في قدرته على تقديم واجهة مستخدم فائقة التفاعل ما بين الإنسان والكمبيوتر، وذلك بهدف تقديم تجربة انسيابية وغامرة وملموسة، تحاكي الواقع الحقيقي بدرجة تجعل من العالم الافتراضي واقعاً موازياً. فعلى سبيل المثال، بإمكانك زيارة موقع تشييد لإحدى المباني بشكل افتراضي، والاطلاع على آلية سير العمل، والتصاميم الداخلية للمبنى، والخدمات التي سيوفرها حتى قبل أن يتمّ التوقيع على مناقصة البدء بالمشروع، وذلك من أجل استشراف التحديات والعقبات التي قد تواجه المشروع، والعمل على معالجتها من جهة، وكي يتمكن المستثمر من خوض تجربة واقعية تتيح له فرصة التفاعل مع محيط الاستثمار الذي يرغب بشرائه، فضلاً عن أن عملية محاكاة المشاريع ضمن عالم الميتافيرس من شأنه تحسين مستوى التخطيط، والحد من الأخطاء والتكاليف.

هنا تبرز الحاجة الماسة لضرورة تطوير تجربة مستخدم غير مسبوقة لمستخدمي عالم الميتافيرس، الذي بدأ فعلاً في تغيير أسلوب عملنا، بدءاً من المعاملات والتخطيط والتصميم، وصولاً إلى البناء والتسوق والسفر. حيث ستلعب هذه التجربة، بالنسبة للمستخدم، دوراً رئيسياً في تحديد خياراته المستقبلية، وسينعكس أثرها على مسيرة حياته المهنية والمعيشية على حد سواء.

كما أنه من المستحيل تحديد نطاق استثمار عالم الميتافيرس اللامتناهي على مستوى المملكة، ما سيقدم تجربة شخصية فائقة التفاعلية للمستخدم، موفرةّ له فرصة المشاركة في الجولات السياحية والمهرجانات وعروض الأزياء، إلى جانب زيارة المنتجعات الصحية والفعاليات الترفيهية والرياضية، ولن يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل سيتيح له عالم الميتافيرس أيضاً إمكانية استرجاع هذه التجارب فيما بعد لإنعاش الذكريات الرائعة، واستحضار اللحظات السعيدة.

وعليه، فإن تصميم تجربة متميزة للمستخدم ضمن عالم الميتافيرس باتت تتطلب توظيف مجموعة متنوعة من المهارات والخبرات والمعارف في عدة مجالات، التي تبدأ بعلم النفس والتصميم الغرافيكي وهندسة المعلومات، ولا تنتهي بآليات التفاعل بين الإنسان والكمبيوتر، واستراتيجية المحتوى. كما أن هذه المرحلة بالتحديد (أي، تصميم تجربة المستخدم) تلعب دوراً حيوياً في مسيرة تطوير المنتج، وتعزيز مستوى رضا المستخدم، وزيادة معدل المشاركة والولاء، المسار الذي من شأنه الدفع نحو النجاح من أوسع أبوابه. إنها مهارات المستقبل التي يجب إتقانها والتفوق بها وفقاً لممارساتنا المجتمعية والأخلاقية، كي تحقق المملكة أهدافها ونهضتها بكل العوالم، بما فيها عالم الميتافيرس.