using MiskFoundation.BLL.Custom;

البقاء في منطقة الراحة

عبد الرحمن الحناكي
البقاء في منطقة الراحة لا يحد من تطورنا كما كنَّا نظن. الحقيقة أنَّ منطقة الراحة هي التي تمنحنا الثقة اللازمة لخوض التجارب الجديدة، لأنَّ أساسها مبني على تجاربنا السابقة وخبراتنا ومواطن قوتنا. التصرف الأمثل هو البقاء داخل منطقة الراحة، مع العمل على توسيع نطاقها بشكل مستمر؛ فهذا يسمح لنا باكتشاف التحديات الجديدة ويمنحنا الشجاعة لنواجهها بكل ثقة، مما يعود علينا بالنفع في مسيرتنا المهنية والحياتية، وأيضًا يلهم فريق العمل ويشجّعهم على خوض تحدياتهم الخاصة.
عن الكاتب
مسؤول مشروع أول, مؤسسة مسك
 
 

كثيرًا ما ترد عبارة "الخروج من منطقة الراحة" في مجال تنمية المهارات القيادية، باعتبارها الحل الوحيد لتحقيق النجاح والنمو. لكن بالنسبة لي، أرى أنَّ هذا النهج خاطئ، بل وقد يكون أحيانًا مضيعة للوقت. فأنا، خلال رحلتي – وهي ليست بالطويلة –خرجت من منطقة الراحة عدة مرات، كما هو حال الكثيرين، وجرَّبت أمورًا لم أفعلها من قبل، فلم أحصل على النتائج المثلى المنشودة.

لكن ذات يوم، خلال إحدى جلسات المراجعة والتقييم الذاتي التي أجريها، والتي أنصح كل قائد أن يُجريها بانتظام، اكتشفت شيئًا غيّر وجهة نظري عن النمو الذاتي بالكلية: أدركت أنَّني كلما جربت الخروج من منطقة الراحة، كما يفعل الكثيرون غيري، أعود إلى منطقة الراحة الخاصة بي فورًا، مهما كانت النتيجة التي حققتها. وبالتالي، أدركتُ أنَّني، عوضًا عن أن أرى منطقة الراحة كمنطقة مقيّدة لحريتي ونموي، بدأت اكتشف أنَّها هي حصني الذي بنيته من مواطن قوتي التي اكتسبتها مع تراكم مهاراتي وخبراتي على مر السنين. واكتشفت أيضًا أنَّني، في منطقة الراحة هذه، أشعر بثقة كبيرة في قدراتي وقراراتي، وأنَّ هذا يمكنَّني من قيادة فريق العمل بمنهجية واضحة، واضعًا أهدافي نصب عينيّ. وهذه الحقيقة التي اكتشفتها شجعتني على التشكيك في صحة هذا المفهوم الشائع، فأنا أؤمن يقينًا أنَّ البقاء داخل منطقة الراحة، ثم توسعة نطاقها تدريجيًا وفق خطوات منهجية مدروسة، هو النهج الأكثر نفعًا وتأثيرًا لتطوير الذات وتحقيق نجاح ملموس.

اكتشفت أنَّ منطقة الراحة بالنسبة إليَّ هي ملاذي الذي أنطلق منه لمواجهة التحديات واغتنام الفرص الجديدة بكل ثقة.
وبدلاً من أن أسعى بكل جهدي للخروج من منطقة الراحة، بدأت أتقبل فكرة العمل على توسيع نطاقها تدريجيًا؛ كما لو كنت أرعى حديقة غنَّاء لكي تؤتي أطيب ثمارها. وبفضل هذا التحول الذي طرأ على تفكيري، بدأت أنظر إلى النمو كرحلة مستمرة، قائمة على استكشاف التحديات الجديدة ومواجهتها متسلحًا بالمهارات والعلاقات والخبرات التي اكتسبتها على مر السنين.

هكذا، أصبح توسيع نطاق منطقة الراحة جزءًا لا يتجزأ من رحلتي لتنمية مهاراتي القيادية والشخصية والتقنية. لكن بدلاً من المغامرة وخوض غمار المجهول، قررت أن أتدرج في تحدي نفسي بشكل مستمر؛ عن طريق القبول بمسؤوليات جديدة، والبحث عن مشاريع خارج نطاق عملي المعتاد، والمشاركة في الأنشطة التي تهدف إلى بناء المهارات. بفضل هذه المنهجية، ساهمت كل خطوة خطوتها لتوسيع نطاق منطقة راحتي المعتادة نحو تحقيقي للنمو، وعززت مرونتي الشخصية وقدرتي على التكيف.

لقد اكتشفت، خلال رحلتي نحو القبول بالبقاء في منطقة الراحة لكن مع توسيعها وفق خطوات مدروسة، قوة الشعور بالتمكين وامتلاك سلطة التصرف. لم أعد أخش المجهول، بل أقترب منه بدافع الفضول وأتعامل معه بتوق وشغف. ووجدت أنَّ طريقة التفكير الجديدة هذه تفتح أمامي أبوابًا لم أتوقع يومًا أنَّها من الممكن أن تُفتح، وتسمح لي باستغلال إمكاناتي الكامنة وبإطلاق العنان لقدرات جديدة لم أكن أعلم يومًا بوجودها.

من المهم لنا كقادة أن ندرك عظم تأثير نمونا الذاتي على على فريق العمل، فنحن حين نتبنى فكرة البقاء في منطقة الراحة ثم توسيع نطاقها، نصبح بذلك قدوةً لأعضاء فريقنا، ومثلاً أعلى يُشجعهم على الانطلاق في رحلتهم الخاصة نحو تحقيق النمو.

واختم بنصيحة قدمها لنا نائب الرئيس التنفيذي لمؤسسة محمد بن سلمان مسك المهندس عمر نجار: "لتستمر في نفس الوظيفة ثلاث سنوات فقط، اول سنه تتعلم من من سبقوك، ثاني سنه تطبق المهمه بشكل ممتاز وتثبت نفسك ، ثالث سنه تنتج بشكل رائع و تنقل المعرفة لفريق العمل اللي معك ثم "تمضي لمهمة جديدة.

وهذه دعوة لتبني فكرة أنَّ النمو الحقيقي ينبع من توسيع نطلق منطقة الراحة بشكل مستمر، عوضًا عن الخروج عنها بالكلية؛ لأنَّ هذا يمكنَّنا من أن ننطلق في رحلة مستمرة نحو تحقيق النمو واكتشاف الذات والتمكين. ولنكن – نحن القادة – منبعًا لإلهام الآخرين لتطوير منطقة الراحة الخاصة بهم وتوسيع نطاقها، لتكون نقطة انطلاق لهم نحو تحقيق التميز.

logo

كن على إطلاع بآخر المستجدات

اشترك في نشرتنا الإخبارية واحصل على مستجدات البرامج والفعاليات