حاجتنا لأصحاب القدرات الكامنة المتعدّدة

أحلام القحطاني – مسار الأحساء
هذا المقال بقلم أحد المشاركين المتميزين في برنامج صوت الشباب. صوت الشباب برنامج إثرائي يهدف لإشراك الشباب من مختلف أنحاء المملكة في عدد من الندوات واللقاءات التدريبية والحوارية التي تركز بشكل رئيس على مهارات التواصل والإقناع والتفكير النقدي.

لكلِّ فردٍ منّا شيءٌ عظيمٌ يمكنه القيام به في هذا الكون، وعليه اكتشاف ذلك الشيء وأن يكرّس حياته من أجله؛ هذه فكرةٌ مترسّخةٌ للغاية في عصرنا الحديث. ولكن ماذا لو كان بيننا أشخاصٌ لا تُغريهم هذه الطريقة، وفي المقابل فهم ينجذبون وتستثير فضولهم العديد من المواضيع المختلفة ويودّون القيام بعدّة أشياء؟! 

(Multipotentiality) أو كما صاغتها "إيملي وابنيك" في مؤتمر تيد العالمي حين سمّتها بالقدرات الكامنة المتعدّدة، وهي هبةٌ ربانيّةٌ قد لا توجد إلا عند فئةٍ قليلةٍ من أفراد المجتمع.

يشير هذا المصطلح إلى قدرة شخص على تحقيق تميّزٍ في مجالين مختلفين أو أكثر، ولديه العديد من الاهتمامات والهوايات، ويُطلق على هؤلاء الأشخاص اسم "ذوو القدرات الكامنة المتعدّدة"، أمّا الأشخاص الذين تنصبُّ اهتماماتهم في الأغلب على مجالٍ واحدٍ يُسمّونَ بالمتخصّصين.

 إنَّ ذوي القدرات الكامنة المتعدّدة هم مغيّرو العالم والمفكّرون غير التقليديين منذ فجر التاريخ، وربّما قد سمعنا عن بعض هؤلاء: ابن سينا، وابن رشد، وابن الهيثم، وأبو بكر الرازي، ومن الغربيين: أرسطو، وديكارت، وليوناردو دافنشي، ونيوتن، وغيرهم، فجميع هؤلاء كانوا كثيري الترحال بين مختلف المجالات. 

إنَّ القدرات الكامنة المتعدّدة قد تكون نعمةً أو نقمةً، وأصحابها لديهم العديد من الخيارات للوظائف المستقبليّة نظرًا للوتيرة السريعة للتكنولوجيا المتغيّرة، فمع ظهور العصر الصناعي والتكنولوجيا والتطوّرات الحديثة الأخرى أصبح الطلب على هذه الفئة أكثر إلحاحًا، فقد تتطلّب الوظيفة من شخصٍ ما أن يكون خبيرًا في وسائل التواصل الاجتماعي، ومتحدثًا عامًّا، وكاتبًا، ومحلّل بيانات. ولكن على الجانب السلبي، سيكافح بعضهم بشدّةٍ في محاولة تحديد الخيار الذي يتعيّن عليهم تبنّيه لا سيما في العامين الأخيرين، حيث ظهرت مشكلة الإنتاجيّة متمثّلةً في صنع الموازنة بين الحاجة للاكتشاف وإحراز التقدّم في المجالات الأخرى من ناحية، وازدحام المهام مع الضغط النفسي، والاغتراب الاجتماعي، وعدم العثور على عملٍ يكفل التنوّع والاستقرار. 

إنَّ ذوي القدرات الكامنة المتعدّدة يمتلكون طاقاتٍ عظمى أوّلها: تركيب الفكرة التي تجمع بين مجالين أو أكثر، وخلق شيءٍ جديدٍ فريدٍ ولافت. رسم كلٌّ من "شا هوانغ" و "رايتشل بينكس" اهتماماتهم المشتركة في مجالات رسم الخرائط، وعلم البيانات، والسفر، والرياضيات، والتصميم عندما أوجدوا "ميشو" وهي شركة تصنع مجوهراتٍ مستوحاةً من الجغرافيا حسب الطلب. أتى "شا" و"رايتشل" بهذه الفكرة الفريدة من نوعها بسبب الخليط الانتقائي لمهاراتهم وخبراتهم. حيثُ يُولَدُ الإبداع عند التقاطع بين هذه المجالات المتعدّدة والاهتمامات المختلفة، ومن هنا تولد الأفكار الخلّاقة، والأشخاص أصحاب القوى الكامنة المتعدّدة مع كل خلفيّاتهم يمكنهم الوصول إلى العديد من النقاط المشتركة. وتكمن ثاني قوة عظمى لتعدّد القدرات الكامنة في التعلّم السريع؛ فعندما يهتمُّ الأشخاص من ذوي القدرات الكامنة المتعدّدة بشيءٍ فهم يبذلون قصارى جهدهم لفهمه وإتقانه، حيث يتأمّلون كلَّ شيءٍ وقد اعتادوا على كونهم مبتدئين بسبب أنّهم كانوا مبتدئين عدّة مرّاتٍ في الماضي، فهم أقلُّ رهبةً عند تجربة أشياء جديدة، ولا يهابون الخروج من منطقة راحتهم، كما يمكنهم نقل المهارات بين مختلف التخصّصات، وجلب ما تعلّموه وتوظيفه واستثماره، وتكمن ثالث قوى عظمى لتعدّد القدرات الكامنة في القدرة على التكيّف، فالقدرة على التكيّف مع المواقف الجديدة أمرٌ هيّن بالنّسبة لهم. فهم بطبعهم منفتحون على التحدّيات، ويتصرّفون بسلاسةٍ وهدوءٍ عند تغيير البيئة أو حصول مستجدّاتٍ وظروفٍ خارجيّة، فهم يتعاملون مع كلِّ جديدٍ طارئٍ عليهم باعتباره مغامرةً جديدة.

ثلاث مهاراتٍ يبرع فيها الأشخاص ذوو القدرات الكامنة المتعدّدة، وثلاث مهاراتٍ يمكن أن يخسروها في حالة التعرّض لضغوطٍ للتضييق على اهتماماتهم وعدم احتضانهم وتشجيعهم. فمع الأسف يُحثُّ ويُشجّعُ ذوو القدرات الكامنة المتعدّدة ليكونوا مثل أقرانهم من المختصّين، ومن بين المعضلات التي قد تواجه هذه الفئة شرط امتداد التخصّص في الجامعات.

ونحن كمجتمعٍ يجب أن يكون لدينا اهتمامٌ بدعم ذوي القدرات الكامنة المتعدّدة ليكوّنوا أنفسهم عن طريق إقامة برامج تحتضنهم وترشدهم وتوفّر لهم ما يحتاجونه، فلدينا الكثير من المشاكل المعقّدة ومتعدّدة الجوانب في العالم، ونحن بحاجةٍ إلى مبدعين ومفكرين خارج الصندوق لمعالجة هذه المشاكل، فأفضل الفرق تلك التي تتكوّن من مختصين وذوي قدراتٍ كامنة متعدّدة بحيث يمكن للمختصّين الغوص في الأعماق وتنفيذ الأفكار، بينما يعمل ذوو القدرات الكامنة المتعدّدة على توسيع المعرفة من خلال النظر إلى المشروع من عدة زوايا تساهم في تطوير الأفكار، وبالتالي فإن استثمارًا كهذا سيكون ناجحًا بلا أدنى شك.

 

المرجع

إضاءات ذات صلة

logo

كن على إطلاع بآخر المستجدات

اشترك في نشرتنا الإخبارية واحصل على مستجدات البرامج والفعاليات